رمضان لم ينتهي.

انقضت أيام طوال، تعايشنا فيها مع ذكر الرحمن، وتلاوة القرآن، تبادلنا فيها الضحكات والهمسات، طهرنا نفوسنا وقلوبنا من بعض الأخطاء والزلات، ذرفنا دموعاً طلباً من المولى الصفح والغفران والسكن في أعالي الجنان.

استمتعنا بألذ الأطباق في الإفطار، وأبدعنا في السحور والأسحار، حرصنا على الالتزام بالعبادات، لم نكتفي بالفرائض بل لجأنا للسنن والمكملات.

اهتممنا بزيارة الأقارب والأرحام، عكفنا على فعل الخيرات، لم ننسى الفقراء والمساكين وأصحاب الإعاقات، بعثنا في روحنا حب التعاون والقناعات، أحببنا استغلال كل دقيقة تمر علينا فهي لن تتكرر لمضاعفة الأجر والحسنات.

قاومنا الجوع والعطش وأشهى الملذات، جاهدنا أنفسنا على الشهوات والنزوات، امتنعنا قدر الإمكان عن الغضب والانفعالات، ربينا في أنفسنا احترام الآخرين بعد الذات، تعلمنا كيف نزرع في لساننا أحسن الكلمات والعبارات، اجتهدنا على أن نظر بأحسن خلق وأخلاقيات.

لم يتوقف عطاؤنا لهذا الحد، بل امتد إلى من هم حولنا، وأقرب الناس إلينا، ألا وهم ( أبناؤنا ) عودناهم، علمناهم، فهمناهم، ميزناهم، كافأناهم، أثنينا عليهم، ابتسمنا لهم، شكرنا المولى عليهم، دعوناه أن يبارك لهم وفيهم، أشعرناهم بأهمية هذا الشهر عمن سواه، شرحنا لهم، درسناهم، جمعناهم، شاركناهم وأشركناهم في لحظاتنا واهتماماتنا وأفكارنا وأحاديثنا وأشغالنا.

لكن كل تلك الأمور تحدث خلال أيام في شهر واحد من السنة، تتفاوت عدد أيامه بحسب رغبة هلاله، نستعد طويلاً للقائه، ونحزن على فراقه، وندعو الله أن يبلغنا صيامه وقيامه في العام المقبل.

ولكن عندنا نراجع أنفسنا بعد إنقضاء أيامه، ونرى مدى الإنجاز الذي حققناه في حياتنا ولأنفسنا وعلى أسرتنا، ونرى أن ما قدمناه كان عظيماً وإيجابياً وجميلاً، لماذا لا نطرح على أنفسنا سؤالاً:

- أليس من الممكن أن تحلى بجمال تلك الأخلاق والصفات والسمات طيلة أيام السنة ولا نختصها فقط لرمضان كونها من صفات المسلم المؤمن؟؟؟

- أليس من الأفضل أن تستمر فينا حب الطاعات والخيرات، وتلاوة القرآن، وإقامة السنن، وصلة الرحم، وحب الخير، وذكر الفقير، وتهذيب النفس، وتحسين اللسان، وتعليم الأبناء أفضل القصص والقيم والعادات في غير أيام شهر رمضان؟؟

- أليس من الواجب علينا أن نتمتع ونتمسك بكل حسن وخلوق وجيد وإيجابي ونجعلها جزء من شخصياتنا وانطباعاتنا؟؟

- أليس من الأحسن والأجدر أن نعرف كيف نسيطر على انفعالاتنا، ونضبط أعصابنا، ونترك شهواتنا في سبيل إرضاء الخالق على رضى النفس؟؟

نصيحتي: حاول واجتهد – فإنك لن تخسر شيئاً – بل ستكسب أجراً وخيراً

في الختام أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، ويؤجرنا على أفعالنا وأقوالنا، وأن نكون من عباده الفائزين، ولوجهه الكريم ناظرين، وفي الجنان مخلدين ومنعمين، وعن النيران وعذابها مبعدين ومزحزحين.